سورة الزمر - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


قوله: {أَمِ اتخذوا مِن دُونِ الله شُفَعَاء} أم هي المنقطعة المقدّرة ببل، والهمزة، أي: بل اتخذوا من دون الله آلهة شفعاء تشفع لهم عند الله {قُلْ أَوَلَوْ لَّوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ} الهمزة للإنكار، والتوبيخ، والواو للعطف على محذوف مقدّر، أي: أيشفعون، ولو كانوا الخ، وجواب لو محذوف تقديره تتخذونهم، أي: وإن كانوا بهذه الصفة تتخذونهم، ومعنى لا يملكون شيئاً: أنهم غير مالكين لشيء من الأشياء، وتدخل الشفاعة في ذلك دخولاً أوّلياً، ولا يعقلون شيئاً من الأشياء؛ لأنها جمادات لا عقل لها، وجمعهم بالواو، والنون لاعتقاد الكفار فيهم أنهم يعقلون. ثم أمره سبحانه بأن يخبرهم: أن الشفاعة لله وحده، فقال: {قُل لِلَّهِ الشفاعة جَمِيعاً}، فليس لأحد منها شيء إلا أن يكون بإذنه لمن ارتضى، كما في قوله: {مَن ذَا الذى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقوله: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} [الأنبياء: 28]، وانتصاب {جميعاً} على الحال، وإنما أكد الشفاعة بما يؤكد به الاثنان، فصاعداً؛ لأنها مصدر يطلق على الواحد، والاثنين، والجماعة، ثم وصفه بسعة الملك، فقال: {لَّهُ مُلْكُ السموات والأرض} أي: يملكهما، ويملك ما فيهما، ويتصرف في ذلك كيف يشاء، ويفعل ما يريد {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} لا إلى غيره، وذلك بعد البعث.
{وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشمأزت قُلُوبُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة} انتصاب {وحده} على الحال عند يونس، وعلى المصدر عند الخليل، وسيبويه، والاشمئزاز في اللغة: النفور. قال أبو عبيدة: اشمأزت نفرت، وقال المبرد: انقبضت. وبالأوّل قال قتادة، وبالثاني قال مجاهد، والمعنى متقارب.
وقال المؤرّج: أنكرت، وقال أبو زيد: اشمأزّ الرجل ذعر من الفزع، والمناسب للمقام تفسير اشمأزت بانقبضت، وهو في الأصل: الازورار، وكان المشركون إذا قيل لهم: لا إله إلا الله انقبضوا، كما حكاه الله عنهم في قوله: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القرآن وَحْدَهُ وَلَّوْاْ على أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} [الإسراء: 46]، ثم ذكر سبحانه استبشارهم بذكر أصنامهم، فقال: {وَإِذَا ذُكِرَ الذين مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} أي: يفرحون بذلك، ويبتهجون به، والعامل في {إذا} في قوله: {وَإِذَا ذُكِرَ الله} الفعل الذي بعدها، وهو: اشمأزت، والعامل في إذا في قوله: {وَإِذَا ذُكِرَ الذين مِن دُونِهِ} الفعل العامل في إذا الفجائية، والتقدير: فاجئوا الاستبشار وقت ذكر الذين من دونه. ولما لم يقبل المتمردون من الكفار ما جاءهم به من الدعاء إلى الخير، وصمموا على كفرهم، أمره الله سبحانه: أن يردّ الأمر إليه، فقال: {قُلِ اللهم فَاطِرَ السموات والأرض عَالِمَ الغيب والشهادة أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، وقد تقدّم تفسير فاطر السماوات، وتفسير عالم الغيب، والشهادة، وهما منصوبان على النداء، ومعنى {تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ}: تجازي المحسن بإحسانه، وتعاقب المسيء بإساءته، فإنه بذلك يظهر من هو المحقّ، ومن هو المبطل، ويرتفع عنده خلاف المختلفين، وتخاصم المتخاصمين.
ثم لما حكى عن الكفار ما حكاه من الاشمئزاز عند ذكر الله، والاستبشار عند ذكر الأصنام ذكر ما يدلّ على شدّة عذابهم، وعظيم عقوبتهم، فقال: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِى الأرض جَمِيعاً} أي: جميع ما في الدنيا من الأموال، والذخائر {وَمِثْلَهُ مَعَهُ} أي: منضماً إليه {لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوء العذاب يَوْمَ القيامة} أي: من سوء عذاب ذلك اليوم، وقد مضى تفسير هذا في آل عمران {وَبَدَا لَهُمْ مّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} أي: ظهر لهم من عقوبات الله، وسخطه، وشدّة عذابه ما لم يكن في حسابهم، وفي هذا وعيد عظيم، وتهديد بالغ، وقال مجاهد: عملوا أعمالاً توهموا أنها حسنات، فإذا هي سيئات، وكذا قال السدّي.
وقال سفيان الثوري: ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء هذه آيتهم، وقصتهم.
وقال عكرمة بن عمار: جزع محمد بن المنكدر عند موته جزعاً شديداً، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: أخاف آية من كتاب الله {وَبَدَا لَهُمْ مّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ}، فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب. {وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} أي: مساوئ أعمالهم من الشرك، وظلم أولياء الله، و{ما} يحتمل أن تكون مصدرية، أي: سيئات كسبهم، وأن تكون موصولة، أي: سيئات الذي كسبوه {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} أي: أحاط بهم، ونزل بهم ما كانوا يستهزئون به من الإنذار الذي كان ينذرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشمأزت} الآية قال: قست، ونفرت {قُلُوبٍ} هؤلاء الأربعة {الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة} أبو جهل بن هشام، والوليد بن عقبة، وصفوان، وأبيّ بن خلف {وَإِذَا ذُكِرَ الذين مِن دُونِهِ} اللات، والعزى {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}.
وأخرج مسلم، وأبو داود، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته: «اللَّهم ربّ جبريل، وميكائيل، وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما أختلف فيه من الحقّ بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».


قوله: {فَإِذَا مَسَّ الإنسان} المراد بالإنسان هنا: الجنس باعتبار بعض أفراده، أو غالبها. وقيل: المراد به الكفار فقط، والأوّل أولى، ولا يمنع من حمله على الجنس خصوص سببه، لأن الاعتبار بعموم اللفظ، وفاء بحقّ النظم القرآني، ووفاء بمدلوله، والمعنى: أن شأن غالب نوع الإنسان أنه إذا مسه ضرّ من مرض، أو فقر، أو غيرهما دعا الله، وتضرع إليه في رفعه، ودفعه {ثُمَّ إِذَا خولناه نِعْمَةً مّنَّا} أي: أعطيناه نعمة كائنة من عندنا {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ} مني بوجوه المكاسب، أو على خير عندي، أو على علم من الله بفضلي.
وقال الحسن: على علم علمني الله إياه. وقيل: قد علمت أني إذا أوتيت هذا في الدنيا أن لي عند الله منزلة، وجاء بالضمير في أوتيته مذكراً مع كونه راجعاً إلى النعمة؛ لأنها بمعنى: الإنعام. وقيل: إن الضمير عائد إلى ما، وهي: موصولة، والأوّل أولى {بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ} هذا ردّ لما قاله، أي: ليس ذلك الذي أعطيناك لما ذكرت، بل هو محنة لك، واختبار لحالك أتشكر أم تكفر؟ قال الفراء: أنث الضمير في قوله: {هي} لتأنيث الفتنة، ولو قال: بل هو فتنة لجاز.
وقال النحاس: بل عطيته فتنة. وقيل: تأنيث الضمير باعتبار لفظ الفتنة، وتذكير الأوّل في قوله: {أُوتِيتُهُ} باعتبار معناها: {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن ذلك استدراج لهم من الله، وامتحان لما عندهم من الشكر، أو الكفر.
{قَدْ قَالَهَا الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي: قال هذه الكلمة التي قالوها، وهي قولهم: إنما أوتيته على علم الذين من قبلهم كقارون، وغيره، فإن قارون قال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِندِى} [القصص: 78] {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يجوز أن تكون {ما} هذه نافية، أي: لم يغن عنهم ما كسبوا من متاع الدنيا شيئاً، وأن تكون استفهامية، أي: أيّ شيء أغنى عنهم ذلك {فأصابهم سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} أي: جزاء سيئات كسبهم، أو أصابهم سيئات هي جزاء كسبهم، وسمي الجزاء سيئات لوقوعها في مقابلة سيئاتهم، فيكون ذلك من باب المشاكلة كقوله: {وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40]. ثم أوعد سبحانه الكفار في عصره، فقال: {والذين ظَلَمُواْ مِنْ هَؤُلاَء} الموجودين من الكفار {سَيُصِيبُهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} كما أصاب من قبلهم، وقد أصابهم في الدنيا ما أصابهم من القحط، والقتل، والأسر، والقهر {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي: بفائتين على الله بل مرجعهم إليه يصنع بهم ما شاء من العقوبة. {أَوَ لَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء} أي: يوسع الرزق لمن يشاء أن يوسعه له {وَيَقْدِرُ} أي: يقبضه لمن يشاء أن يقبضه، ويضيقه عليه.
قال مقاتل: وعظهم الله، ليعتبروا في توحيده، وذلك حين مطروا بعد سبع سنين، فقال: أو لم يعلموا أن الله يوسع الرزق لمن يشاء، ويقتر على من يشاء {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ} أي: في ذلك المذكور لدلالات عظيمة، وعلامات جليلة {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وخصّ المؤمنين؛ لأنهم المنتفعون بالآيات المتفكرون فيها. ثم لما ذكر سبحانه ما ذكره من الوعيد عقبه بذكر سعة رحمته، وعظيم مغفرته، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم: أن يبشرهم بذلك، فقال: {قُلْ ياعِبَادِي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} المراد بالإسراف: الإفراط في المعاصي، والاستكثار منها، ومعنى لا تقنطوا: لا تيأسوا من رحمة الله من مغفرته. ثم لما نهاهم عن القنوط أخبرهم بما يدفع ذلك، ويرفعه، ويجعل الرجاء مكان القنوط، فقال: {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً}.
واعلم أن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله سبحانه لاشتمالها على أعظم بشارة، فإنه أوّلاً أضاف العباد إلى نفسه لقصد تشريفهم، ومزيد تبشيرهم، ثم وصفهم بالإسراف في المعاصي، والاستكثار من الذنوب، ثم عقب ذلك بالنهي عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثرين من الذنوب، فالنهي عن القنوط للمذنبين غير المسرفين من باب الأولى، وبفحوى الخطاب، ثم جاء بما لا يبقي بعده شك، ولا يتخالج القلب عند سماعه ظنّ، فقال: {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب}، فالألف، واللام قد صيرت الجمع الذي دخلت عليه للجنس الذي يستلزم استغراق أفراده، فهو في قوّة إن الله يغفر كلّ ذنب كائناً ما كان، إلا ما أخرجه النصّ القرآني، وهو: الشرك {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48، 116]، ثم لم يكتف بما أخبر عباده به من مغفرة كل ذنب، بل أكد ذلك بقوله: {جَمِيعاً} فيا لها من بشارة ترتاح لها قلوب المؤمنين المحسنين ظنهم بربهم الصادقين في رجائه، الخالعين لثياب القنوط الرافضين لسوء الظنّ بمن لا يتعاظمه ذنب، ولا يبخل بمغفرته، ورحمته على عباده المتوجهين إليه في طلب العفو الملتجئين به في مغفرة ذنوبهم، وما أحسن ما علل سبحانه به هذا الكلام قائلاً: إنه هو الغفور الرحيم، أي: كثير المغفرة، والرحمة عظيمهما بليغهما واسعهما، فمن أبى هذا التفضل العظيم، والعطاء الجسيم، وظنّ أن تقنيط عباد الله، وتأييسهم من رحمته أولى بهم مما بشرهم الله به، فقد ركب أعظم الشطط، وغلط أقبح الغلط، فإن التبشير، وعدم التقنيط الذي جاءت به مواعيد الله في كتابه العزيز، والمسلك الذي سلكه رسوله صلى الله عليه وسلم كما صح عنه من قوله: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» وإذا تقرّر لك هذا، فاعلم أن الجمع بين هذه الآية، وبين قوله: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48، 116] هو: أن كلّ ذنب كائناً ما عدا الشرك بالله مغفور لمن شاء الله أن يغفر له، على أنه يمكن أن يقال: إن إخباره لنا بأنه يغفر الذنوب جميعاً يدل على أنه يشاء غفرانها جميعاً، وذلك يستلزم: أنه يشاء المغفرة لكلّ المذنبين من المسلمين، فلم يبق بين الآيتين تعارض من هذه الحيثية. وأما ما يزعمه جماعة من المفسرين من تقييد هذه الآية بالتوبة، وأنها لا تغفر إلا ذنوب التائبين، وزعموا أنهم قالوا ذلك للجمع بين الآيات. فهو: جمع بين الضب، والنون، وبين الملاح، والحادي، وعلى نفسها براقش تجني، ولو كانت هذه البشارة العظيمة مقيدة بالتوبة لم يكن لها كثير موقع، فإن التوبة من المشرك يغفر الله له بها ما فعله من الشرك بإجماع المسلمين، وقد قال: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48، 116]، فلو كانت التوبة قيداً في المغفرة لم يكن للتنصيص على الشرك فائدة، وقد قال سبحانه: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6] قال الواحدي: المفسرون كلهم قالوا: إن هذه الآية في قوم خافوا إن أسلموا أن لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام، كالشرك، وقتل النفس، ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: هب أنها في هؤلاء القوم، فكان ماذا؟، فإن الاعتبار بما اشتملت عليه من العموم لا بخصوص السبب كما هو متفق عليه بين أهل العلم، ولو كانت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية مقيدة بأسبابها غير متجاوزة لها لارتفعت أكثر التكاليف عن الأمة إن لم ترتفع كلها، واللازم باطل بالإجماع، فالملزوم مثله.
وفي السنة المطهرة من الأحاديث الثابتة في الصحيحين، وغيرهما في هذا الباب ما إن عرفه المطلع عليه حقّ معرفته، وقدره حقّ قدره علم صحة ما ذكرناه، وعرف حقية ما حررناه.
قرأ الجمهور: {يا عبادي} بإثبات الياء، وصلا، ووقفا، وروى أبو بكر عن عاصم: أنه يقف بغير ياء. وقرأ الجمهور: {تقنطوا} بفتح النون. وقرأ أبو عمرو، والكسائي بكسرها. {وَأَنِيبُواْ إلى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} أي: ارجعوا إليه بالطاعة لما بشرهم سبحانه بأنه يغفر الذنوب جميعاً، أمرهم بالرجوع إليه بفعل الطاعات، واجتناب المعاصي، وليس في هذا ما يدلّ على تقييد الآية الأولى بالتوبة لا بمطابقة، ولا تضمن، ولا التزام، بل غاية ما فيها: أنه بشّرهم بتلك البشارة العظمى، ثم دعاهم إلى الخير، وخوّفهم من الشرّ على أنه يمكن أن يقال: إن هذه الجملة مستأنفة خطاباً للكفار الذين لم يسلموا بدليل قوله: {وَأَسْلِمُواْ لَهُ} جاء بها لتحذير الكفار، وإنذارهم بعد ترغيب المسلمين بالآية الأولى، وتبشيرهم، وهذا، وإن كان بعيداً، ولكنه يمكن أن يقال به، والمعنى على ما هو الظاهر: أن الله جمع لعباده بين التبشير العظيم، والأمر بالإنابة إليه، والإخلاص له، والاستسلام لأمره، والخضوع لحكمه.
وقوله: {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب} أي: عذاب الدنيا كما يفيده قوله: {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ}، فليس في ذلك ما يدلّ على ما زعمه الزاعمون، وتمسك به القانطون المقنطون، والحمد لله رب العالمين.
{واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ} يعني: القرآن، يقول: أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، والقرآن كله حسن. قال الحسن: التزموا طاعته، واجتنبوا معاصيه.
وقال السدّي: الأحسن ما أمر الله به في كتابه.
وقال ابن زيد: يعني: المحكمات، وكلوا علم المتشابه إلى عالمه. وقيل: الناسخ دون المنسوخ. وقيل: العفو دون الانتقام بما يحق فيه الانتقام. وقيل: أحسن ما أنزل إليكم من أخبار الأمم الماضية {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} أي: من قبل أن يفاجئكم العذاب، وأنتم غافلون عنه لا تشعرون به. وقيل: أراد أنهم يموتون بغتة، فيقعون في العذاب. والأوّل أولى، لأن الذي يأتيهم بغتة هو: العذاب في الدنيا بالقتل، والأسر، والقهر، والخوف، والجدب، لا عذاب الآخرة، ولا الموت، لأنه لم يسند الإتيان إليه. {أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحسرتى ياحسرتى على مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ الله} قال البصريون: أي حذراً أن تقول.
وقال الكوفيون: لئلا تقول. قال المبرد: بادروا خوف أن تقول، أو حذراً من أن تقول نفس.
وقال الزجاج: خوف أن تصيروا إلى حال تقولون فيها: يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله. قيل: والمراد بالنفس هنا: النفس الكافرة. وقيل: المراد به التكثير كما في قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] قرأ الجمهور: {يا حسرتا} بالألف بدلاً من الياء المضاف إليها، والأصل: يا حسرتي، وقرأ ابن كثير: {يا حسرتاه} بهاء السكت وقفا، وقرأ أبو جعفر: {يا حسرتي} بالياء على الأصل. والحسرة: الندامة، ومعنى {على مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ الله}: على ما فرّطت في طاعة الله، قاله الحسن.
وقال الضحاك: على ما فرّطت في ذكر الله، ويعني به: القرآن، والعمل به.
وقال أبو عبيدة: {فِى جَنبِ الله} أي: في ثواب الله.
وقال الفراء: الجنب القرب، والجوار، أي: في قرب الله، وجواره، ومنه قوله: {والصاحب بالجنب} [النساء: 36]، والمعنى على هذا القول، على ما فرّطت في طلب جنب الله، أي: في طلب جواره، وقربه، وهو: الجنة، وبه قال ابن الأعرابي، وقال الزجاج: أي فرّطت في الطريق الذي هو: طريق الله من توحيده، والإقرار بنبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا، فالجنب بمعنى: الجانب، أي: قصرت في الجانب الذي يؤدّي إلى رضا الله، ومنه قول الشاعر:
للناس جنب والأمير جنب ***
أي: الناس من جانب، والأمير من جانب {وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين} أي: وما كنت إلا من المستهزئين بدين الله في الدنيا، ومحل الجملة النصب على الحال.
قال قتادة: لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِى لَكُنتُ مِنَ المتقين} أي: لو أن الله أرشدني إلى دينه لكنت ممن يتقي الشرك، والمعاصي، وهذا من جملة ما يحتج به المشركون من الحجج الزائفة، ويتعللون به من العلل الباطلة كما في قوله: {سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148]، فهي: كلمة حقّ يريدون بها باطلاً. ثم ذكر سبحانه مقالة أخرى مما قالوا، فقال: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العذاب لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً} أي: رجعة إلى الدنيا {فَأَكُونَ مِنَ المحسنين} المؤمنين بالله الموحدين له، المحسنين في أعمالهم، وانتصاب أكون إما لكونه معطوفاً على كرّة، فإنها مصدر، وأكون في تأويل المصدر كما في قول الشاعر:
للبس عباءة وتقرّ عيني *** أحبّ إليّ من لبس الشفوف
وأنشد الفرّاء على هذا:
فما لك منها غير ذكرى وخشية *** وتسأل عن ركبانها أين يمموا
وإما لكونه جواب التمني المفهوم من قوله: {لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً}. ثم ذكر سبحانه جوابه على هذه النفس المتمنية المتعللة بغير علة، فقال: {بلى قَدْ جَاءتْكَ ءاياتى فَكَذَّبْتَ بِهَا واستكبرت وَكُنتَ مِنَ الكافرين}. المراد بالآيات هي: الآيات التنزيلية، وهو: القرآن، ومعنى التكذيب بها قوله: إنها ليس من عند الله، وتكبر عن الإيمان بها، وكان مع ذلك التكذيب، والاستكبار من الكافرين بالله. وجاء سبحانه بخطاب المذكر في قوله: جاءتك، وكذّبت، واستكبرت، وكنت، لأن النفس تطلق على المذكر، والمؤنث. قال المبرد: تقول العرب نفس واحد، أي: إنسان واحد، وبفتح التاء في هذه المواضع قرأ الجمهور. وقرأ الجحدري، وأبو حيوة، ويحيى بن يعمر بكسرها في جميعها، وهي قراءة أبي بكر، وابنته عائشة، وأمّ سلمة، ورويت عن ابن كثير {وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ}، أي: ترى الذين كذبوا على الله بأن له شركاء، وصاحبة، وولدا وجوههم مسودّة لما أحاط بهم من العذاب، وشاهدوه من غضب الله، ونقمته، وجملة: {وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} في محل نصب على الحال. قال الأخفش: ترى غير عامل في وجوههم مسودّة، إنما هو: مبتدأ وخبر، والأولى أن ترى إن كانت من الرؤية البصرية، فجملة: {وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} حالية، وإن كانت قلبية، فهي في محل نصب على أنها المفعول الثاني لترى، والاستفهام في قوله: {أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لّلْمُتَكَبّرِينَ} للتقرير، أي: أليس فيها مقام للمتكبرين عن طاعة الله، والكبر هو: بطر الحقّ، وغمط الناس كما ثبت في الحديث الصحيح.
{وَيُنَجّى الله الذين اتقوا} أي: اتقوا الشرك، ومعاصي الله، والباء في: {بِمَفَازَتِهِمْ} متعلقة بمحذوف هو: حال من الموصول، أي: ملتبسين بمفازتهم.
قرأ الجمهور {بمفازتهم} بالإفراد على أنها مصدر ميميّ. والفوز: الظفر بالخير، والنجاة من الشرّ. قال المبرد: المفازة مفعلة من الفوز، وهو: السعادة، وإن جمع، فحسن كقولك: السعادة، والسعادات. والمعنى: ينجيهم الله بفوزهم، أي: بنجاتهم من النار، وفوزهم بالجنة. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر: {بمفازاتهم} جمع مفازة، وجمعها مع كونها مصدراً لاختلاف الأنواع، وجملة: {لاَ يَمَسُّهُمُ السوء} في محل نصب على الحال من الموصول، وكذلك جملة: {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} في محل نصب على الحال، أي: ينفي السوء، والحزن عنهم، ويجوز أن تكون الباء في بمفازتهم للسببية، أي: بسبب فوزهم مع انتفاء مساس السوء لهم، وعدم وصول الحزن إلى قلوبهم؛ لأنهم رضوا بثواب الله، وأمنوا من عقابه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم- قال السيوطي بسند صحيح، وابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزلت: {قُلْ ياعِبَادِى الذين أَسْرَفُواْ} الآية في مشركي أهل مكة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: كنا نقول ليس لمفتتن توبة، وما الله بقابل منه شيئاً، عرفوا الله، وآمنوا به، وصدقوا رسوله، ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم، وكانوا يقولونه لأنفسهم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله فيهم {قُلْ ياعبادى الذين أَسْرَفُواْ} الآيات؛ قال ابن عمر: فكتبتها بيدي، ثم بعثت بها إلى هشام بن العاصي وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعد قال: لما أسلم وحشي أنزل الله: {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التى حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} [الفرقان: 68] قال وحشيّ، وأصحابه: فنحن قد ارتكبنا هذا كله، فأنزل الله: {قُلْ ياعِبَادِى الذين أَسْرَفُواْ} الآية.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه، وهم يضحكون، ويتحدّثون، فقال: «والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً» ثم انصرف، وأبكى القوم، وأوحى الله إليه: يا محمد لم تقنط عبادي فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أبشروا، وسدّدوا، وقاربوا».
وأخرج ابن مردويه، والبيهقي في سننه عن عمر بن الخطاب: أنها نزلت، فيمن أفتن.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس: أنها نزلت في مشركي مكة لما قالوا: إن الله لا يغفر لهم ما قد اقترفوه من الشرك، وقتل الأنفس، وغير ذلك.
وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن ثوبان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أحبّ أن لي الدنيا، وما فيها بهذه الآية: {قُلْ ياعبادى الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ}» إلى آخر الآية، فقال رجل: ومن أشرك؟، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ألا، ومن أشرك ثلاث مرات».
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وأبو داود، والترمذي وحسنه، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف، والحاكم، وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم} وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في حسن الظن بالله، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود: أنه مرّ على قاض يذكر الناس، فقال: يا مذكر الناس لا تقنط الناس، ثم قرأ: {ياعبادى الذين أَسْرَفُواْ} الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن سيرين قال: قال عليّ: أيّ آية أوسع؟، فجعلوا يذكرون آيات من القرآن {وَمَن يَعْمَلْ سُوءا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} [النساء: 11] الآية، ونحوها، فقال علي: ما في القرآن أوسع آية من {ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {ياعبادى الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} الآية قال: قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح ابن الله، ومن زعم أن عزيراً ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة يقول لهؤلاء: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إلى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 74] ثم دعا إلى توبته من هو أعظم قولاً من هؤلاء من قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 24]، وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى} [القصص: 38] قال ابن عباس: ومن آيس العباد من التوبة بعد هذا، فقد جحد كتاب الله، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ} قال: أخبر الله ما العباد قائلون قبل أن يقولوا، وعلمهم قبل أن يعلموا.


قوله: {الله خالق كُلّ شَئ} من الأشياء الموجودة في الدنيا، والآخرة كائناً ما كان من غير فرق بين شيء، وشيء وقد تقدّم تفسير هذه الآية في الأنعام {وَهُوَ على كُلّ شَئ وَكِيلٌ} أي: الأشياء كلها موكولة إليه، فهو: القائم بحفظها، وتدبيرها من غير مشارك له. {لَّهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض} المقاليد، واحدها مقليد، ومقلاد، أو لا واحد له من لفظه كأساطير، وهي: مفاتيح السماوات، والأرض، والرزق، والرحمة. قاله مقاتل، وقتادة، وغيرهما.
وقال الليث: المقلاد الخزانة، ومعنى الآية: له خزائن السماوات، والأرض، وبه قال الضحاك، والسدّي. وقيل: خزائن السماوات المطر، وخزائن الأرض النبات. وقيل: هي عبارة عن قدرته سبحانه، وحفظه لها، والأوّل أولى. قال الجوهري: الإقليد المفتاح، ثم قال: والجمع المقاليد. وقيل: هي لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوّة إلا بالله. وقيل غير ذلك. {والذين كَفَرُواْ بئايات الله أُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} أي: بالقرآن، وسائر الآيات الدالة على الله سبحانه، وتوحيده، ومعنى الخاسرون: الكاملون في الخسران؛ لأنهم صاروا بهذا الكفر إلى النار.
{قُلْ أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون} الاستفهام للإنكار التوبيخي، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره، و{غير} منصوب ب {أعبد}، وأعبد معمول؛ ل {تأمروني} على تقدير أن المصدرية، فلما حذفت بطل عملها، والأصل: أفتأمروني أن أعبد غير الله. قاله الكسائي، وغيره. ويجوز أن يكون غير منصوباً بتأمروني، وأعبد بدل منه بدل اشتمال، وأن مضمرة معه أيضاً. ويجوز أن يكون غير منصوبة بفعل مقدر، أي: أفتلزموني غير الله، أي: عبادة غير الله، أو أعبد غير الله أعبد. أمره الله سبحانه أن يقول هذا للكفار لما دعوه إلى ما هم عليه من عبادة الأصنام، وقالوا: هو دين آبائك. قرأ الجمهور: {تأمروني} بإدغام نون الرفع في نون الوقاية على خلاف بينهم في فتح الياء، وتسكينها. وقرأ نافع: {تأمروني} بنون خفيفة، وفتح الياء، وقرأ ابن عامر: {تأمرونني} بالفك، وسكون الياء.
{وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ} أي: من الرسل {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} هذا الكلام من باب التعريض لغير الرسل، لأن الله سبحانه قد عصمهم عن الشرك، ووجه إيراده على هذا الوجه التحذير، والإنذار للعباد من الشرك، لأنه إذا كان موجباً لإحباط عمل الأنبياء على الفرض، والتقدير، فهو محبط لعمل غيرهم من أممهم بطريق الأولى. قيل: وفي الكلام تقديم، وتأخير، والتقدير: ولقد أوحي إليك لئن أشركت، وأوحي إلى الذين من قبلك كذلك. قال مقاتل: أي أوحي إليك وإلى الأنبياء قبلك بالتوحيد والتوحيد محذوف، ثم قال: لئن أشركت يا محمد؛ ليحبطن عملك، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وقيل: إفراد الخطاب في قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} باعتبار كل واحد من الأنبياء كأنه قيل: أوحي إليك، وإلى كل واحد من الأنبياء هذا الكلام، وهو: لئن أشركت، وهذه الآية مقيدة بالموت على الشرك كما في الآية الأخرى {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم} [البقرة: 217] وقيل: هذا خاص بالأنبياء؛ لأن الشرك منهم أعظم ذنباً من الشرك من غيرهم، والأوّل أولى، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بتوحيده، فقال: {بَلِ الله فاعبد}، وفي هذا ردّ على المشركين حيث أمروه: بعبادة الأصنام. ووجه الردّ ما يفيده التقديم من القصر. قال الزجاج: لفظ اسم الله منصوب ب {اعبد} قال: ولا اختلاف في هذا بين البصريين، والكوفيين.
وقال الفراء: هو منصوب بإضمار فعل، وروي مثله عن الكسائي، والأوّل أولى. قال الزجاج: والفاء في: {فاعبد} للمجازاة.
وقال الأخفش: زائدة. قال عطاء، ومقاتل: معنى {فاعبد}: وحد، لأن عبادته لا تصح إلا بتوحيده {وَكُنْ مّنَ الشاكرين} لإنعامه عليك بما هداك إليه من التوحيد، والدعاء إلى دينه، واختصك به من الرسالة.
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} قال المبرد: أي ما عظموه حق عظمته، من قولك فلان عظيم القدر، وإنما وصفهم بهذا؛ لأنهم عبدوا غير الله، وأمروا رسوله بأن يكون مثلهم في الشرك. وقرأ الحسن، وأبو حيوة، وعيسى بن عمر: {قدّروا} بالتشديد {والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة} القبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك، فأخبر سبحانه: عن عظيم قدرته بأن الأرض كلها مع عظمها، وكثافتها في مقدوره كالشيء الذي يقبض عليه القابض بكفه كما يقولون: هو في يد فلان، وفي قبضته للشيء الذي يهون عليه التصرّف فيه، وإن لم يقبض عليه، وكذا قوله: {والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ}، فإن ذكر اليمين للمبالغة في كمال القدرة كما يطوي الواحد منا الشيء المقدور له طيه بيمينه، واليمين في كلام العرب قد تكون بمعنى: القدرة، والملك. قال الأخفش: بيمينه يقول: في قدرته، نحو قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانكم} [النساء: 3] أي: ما كانت لكم قدرة عليه، وليس الملك لليمين دون الشمال، وسائر الجسد، ومنه له سبحانه: {لأخَذْنَا مِنْهُ باليمين} [الحاقة: 45] أي: بالقوّة، والقدرة، ومنه قول الشاعر:
إذا ما راية نصبت لمجد *** تلقاها عرابة باليمين
وقول الآخر:
ولما رأيت الشمس أشرق نورها *** تناولت منها حاجتي بيمين
وقول الآخر:
عطست بأنف شامخ وتناولت *** يداي الثريا قاعداً غير قائم
وجملة: {والارض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ} في محل نصب على الحال، أي: ما عظموه حق تعظيمه، والحال أنه متصف بهذه الصفة الدالة على كمال القدرة. قرأ الجمهور برفع: {قبضته} على أنها خبر المبتدأ، وقرأ الحسن بنصبها، ووجهه ابن خالويه بأنه على الظرفية، أي: في قبضته.
وقرأ الجمهور: {مطويات} بالرفع على أنها خبر المبتدأ، والجملة في محل نصب على الحال كالتي قبلها، و{بيمينه} متعلق ب {مطويات}، أو حال من الضمير في {مطويات}، أو خبر ثانٍ، وقرأ عيسى، والجحدري بنصب: {مطويات}، ووجه ذلك: أن {السموات} معطوفة على {الأرض}، وتكون {قبضته} خبراً عن الأرض، والسموات، وتكون {مطويات} حالاً، أو تكون {مطويات} منصوبة بفعل مقدّر، و{بيمينه} الخبر، وخصّ يوم القيامة بالذكر، وإن كانت قدرته شاملة، لأن الدعاوي تنقطع فيه كما قال سبحانه: {الملك يَوْمَئِذٍ للَّهِ} [الحج: 56]، وقال: {مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4]، ثم نزّه سبحانه نفسه، فقال: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} به من المعبودات التي يجعلونها شركاء له مع هذه القدرة العظيمة، والحكمة الباهرة.
{وَنُفِخَ فِى الصور فَصَعِقَ مَن فِى السموات وَمَن فِى الارض} هذه هي: النفخة الأولى، والصور هو: القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل، وقد تقدّم غير مرة، ومعنى صعق: زالت عقولهم، فخرّوا مغشياً عليهم. وقيل: ماتوا. قال الواحدي: قال المفسرون: مات من الفزع، وشدة الصوت أهل السموات، والأرض. قرأ الجمهور: {الصور} بسكون الواو، وقرأ قتادة، وزيد بن علي بفتحها جمع صورة، والاستثناء في قوله: {إِلاَّ مَن شَاء الله} متصل، والمستثنى جبريل، وميكائيل، وإسرافيل. وقيل: رضوان، وحملة العرش، وخزنة الجنة، والنار {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى} يجوز أن يكون {أخرى} في محل رفع على النيابة، وهي صفة لمصدر محذوف، أي: نفخة أخرى، ويجوز أن يكون في محل نصب، والقائم مقام الفاعل فيه {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} يعني: الخلق كلهم قيام على أرجلهم ينظرون ما يقال لهم، أو ينتظرون ذلك. قرأ الجمهور: {قيام} بالرفع على أنه خبر، و{ينظرون} في محل نصب على الحال، وقرأ زيد بن عليّ بالنصب على أنه حال، والخبر: {ينظرون}، والعامل في الحال ما عمل في إذا الفجائية. قال الكسائي: كما تقول خرجت، فإذا زيد جالساً.
{وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبّهَا} الإشراق الإضاءة، يقال: أشرقت الشمس: إذا أضاءت، وشرقت: إذا طلعت، ومعنى {بنور ربها}: بعدل ربها، قاله الحسن، وغيره.
وقال الضحاك: بحكم ربها، والمعنى: أن الأرض أضاءت، وأنارت بما أقامه الله من العدل بين أهلها، وما قضى به من الحق فيهم، فالعدل نور، والظلم ظلمات. وقيل: إن الله يخلق نوراً يوم القيامة يلبسه وجه الأرض، فتشرق به غير نور الشمس، والقمر، ولا مانع من الحمل على المعنى الحقيقي، فإن الله سبحانه هو: نور السماوات، والأرض. قرأ الجمهور: {أشرقت} مبنياً للفاعل، وقرأ ابن عباس، وأبو الجوزاء، وعبيد بن عمير على البناء للمفعول {ووضع الكتاب} قيل: هو: اللوح المحفوظ.
وقال قتادة: يعني: الكتب، والصحف التي فيها أعمال بني آدم، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله، وكذا قال مقاتل.
وقيل: هو من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه، أي: وضع الكتاب للحساب {وَجِئ بالنبيين} أي: جيء بهم إلى الموقف، فسئلوا عما أجابتهم به أممهم {والشهداء} الذين يشهدون على الأمم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في قوله: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس} [البقرة: 143]، وقيل: المراد بالشهداء: الذين استشهدوا في سبيل الله، فيشهدون يوم القيامة لمن ذبّ عن دين الله. وقيل: هم الحفظة كما قال تعالى: {وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق: 21] {وَقُضِىَ بَيْنَهُم بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} أي: وقضي بين العباد بالعدل، والصدق، والحال أنهم لا يظلمون، أي: لا ينقصون من ثوابهم، ولا يزاد على ما يستحقونه من عقابهم {وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} من خير، وشرّ {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} في الدنيا لا يحتاج إلى كاتب، ولا حاسب، ولا شاهد، وإنما وضع الكتاب، وجيء بالنبيين، والشهداء لتكميل الحجة، وقطع المعذرة.
ثم ذكر سبحانه تفصيل ما ذكره من توفية كل نفس ما كسبت، فقال: {وَسِيقَ الذين كَفَرُواْ إلى جَهَنَّمَ زُمَراً} أي: سيق الكافرون إلى النار حال كونهم زمراً، أي: جماعات متفرّقة بعضها يتلو بعضاً. قال أبو عبيدة، والأخفش: زمراً جماعات متفرّقة بعضها إثر بعض، ومنه قول الشاعر:
وترى الناس إلى أبوابه *** زمراً تنتابه بعد زمر
واشتقاقه من الزمر، وهو: الصوت، إذ الجماعة لا تخلو عنه {حَتَّى إِذَا جَاءوهَا فُتِحَتْ أبوابها} أي: فتحت أبواب النار، ليدخلوها، وهي: سبعة أبواب، وقد مضى بيان ذلك في سورة الحجر {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} جمع خازن نحو سدنة، وسادن {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ} أي: من أنفسكم {يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءايات رَبّكُمْ} التي أنزلها عليهم {وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا} أي: يخوّفونكم لقاء هذا اليوم الذي صرتم فيه، قالوا لهم هذا القول تقريعاً، وتوبيخاً، فأجابوا بالاعتراف، ولم يقدروا عل الجدل الذي كانوا يتعللون به في الدنيا لانكشاف الأمر، وظهوره، ولهذا قالوا {بلى} أي: قد أتتنا الرسل بآيات الله، وأنذرونا بما سنلقاه {ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين}، وهي: {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] فلما اعترفوا هذا الاعتراف قيل {ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ} التي قد فتحت لكم؛ لتدخلوها. وانتصاب {خالدين} على الحال، أي: مقدّرين الخلود {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} المخصوص بالذمّ محذوف، أي: بئس مثواهم جهنم، وقد تقدّم تحقيق المثوى في غير موضع.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لَهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض} قال: مفاتيحها.
وأخرج أبو يعلى، ويوسف القاضي في سننه، وأبو الحسن القطان، وابن السني، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عثمان بن عفان قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله: {لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض}، فقال لي: «يا عثمان لقد سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك، مقاليد السموات، والأرض: لا إله إلاّ الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، وأستغفر الله الذي لا إله إلاّ هو، الأوّل، والآخر، والظاهر، والباطن، يحيي، ويميت، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قدير»، ثم ذكر فضل هذه الكلمات.
وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس، عن عثمان قال: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: أخبرني عن مقاليد السماوات، والأرض، فذكره.
وأخرجه الحارث بن أبي أسامة، وابن مردويه عن أبي هريرة، عن عثمان.
وأخرجه العقيلي، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر، عن عثمان.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس: أن قريشاً دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالاً، فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوّجوه ما أراد من النساء، ويطأون عقبه، فقالوا له: هذا لك يا محمد، وتكفّ عن شتم آلهتنا، ولا تذكرها بسوء. قال: «حتى أنظر ما يأتيني من ربي» فجاء بالوحي: {قُلْ ياأَيُّهَا الكافرون} [الكافرون: 1] إلى آخر السورة، وأنزل الله عليه: {قُلْ أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون} إلى قوله: {مّنَ الخاسرين}.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يحمل السماوات يوم القيامة على أصبع، والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة}، وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما من حديث أبي هريرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟» وفي الباب أحاديث، وآثار تقتضي حمل الآية على ظاهرها من دون تكلف لتأويل، ولا تعسف لقال وقيل.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رجل من اليهود بسوق المدينة: والذي اصطفى موسى على البشر، فرفع رجل من الأنصار يده، فلطمه، فقال: أتقول هذا وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «قال الله: {وَنُفِخَ فِى الصور فَصَعِقَ مَن فِى السموات وَمَن فِى الأرض إِلاَّ مَن شَاء الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ}، فأكون أوّل من يرفع رأسه، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أرفع رأسه قبلي، أو كان ممن استثنى الله»
وأخرج أبو يعلى، والدارقطني في الإفراد، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {إِلاَّ مَن شَاء الله} قال: «هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول عرشه تتلقاهم الملائكة يوم القيامة» الحديث.
وأخرجه سعيد بن منصور، وعبد بن حميد من أقوال أبي هريرة.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وأبو نصر السجزي في الإبانة، وابن مردويه عن أنس: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: {إِلاَّ مَن شَاء الله}، فقال: «جبريل، وميكائيل، وملك الموت، وإسرافيل، وحملة العرش».
وأخرج ابن المنذر عن جابر في قوله: {إِلاَّ مَن شَاء الله} قال: موسى، لأنه كان صعق قبل. والأحاديث الواردة في كيفية نفخ الصور كثيرة.
وأخرج عبد بن حميد، عن ابن عباس في قوله: {وَجِئ بالنبيين والشهداء} قال: النبيين الرسل، والشهداء الذين يشهدون لهم بالبلاغ ليس فيهم طعان، ولا لعان.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عنه في الآية قال: يشهدون بتبليغ الرسالة، وتكذيب الأمم إياهم.

1 | 2 | 3 | 4